السنه فيما يتعلق بولي الامر

 

   

السنة في ما يتعلق 

بولي

الأمـــــــــــر 

   

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله  

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. (النساء:1) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71) .

فإن أصدق الكلام كلام الله و خير الهدي هدي محمد rو شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .

أما بعد :

فهذه رسالة مختصرة ذكرت فيها نصوص السنة النبوية المتواترة في بيان وجوب السمع و الطاعة لولي الأمر في غير معصية ، و بيان توقيره و احترامه و  نصيحته ، و بيان تحريم نزع يد من طاعة و تحريم الخروج عليه .

و مجموع الأحاديث النبوية أفادت [التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج و لم ير رأيهم و صبر على جور الأئمة و حيف الأمراء و لم يخرج عليهم بسيفه و سأل الله تعالى كشف الظلم عنه و عن المسلمين و دعا للولاة بالصلاح و إن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم و إن لم يمكنه اعتذر إليهم و إن أمروه بمعصية لم يطعهم  فمن كان هذا و صفه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله](1). و سميتها " السنة في ما يتعلق بولي الأمة " و الله اسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً من الرياء و السمعة و أن يجعله ذخراً لي يوم ألقاه يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

كتبه

أبو عمر

أحمد بن عمر بازمول

المدرس بمعهد الحرم المكي الشريف

فضيلة الإمام العادل المقسط :

بين rأن ولي الأمر العادل و هو الذي يتبع أمر الله بوضع الشيء في موضعه من غير إفراط و لا تفريط ممن يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ و أنه من أهل الجنة كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ :" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ ".

و أخرج الإمام مسلم في الصحيح عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ".

و السلطان المقسط هو العادل في حكمه و ولي الأمر العادل ممن لا ترد دعوته كما أخرج الترمذي في السنن  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ".

محبة ولي الأمر و توقيره و احترامه :

إن ولي الأمر رجل بذل نفسه و وقته لرعاية مصالح أمته و توفير سبل الراحة لهم و دفع المخاطر و السوء عنهم بإذن الله تعالى و لذلك هو راع لنا كما أخرج البخاري في الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " فالواجب علينا  تقديره و احترامه بل و محبته لما يقوم به من الأعمال الشاقة و المسئولية الكاملة أخرج الإمام مسلم في الصحيح عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ قال قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ".

و من أجل و أكرم السلطان أكرمه الله يوم القيامة و من لم يجله أهانه الله يوم القيامة كما أخرج أحمد في المسند عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

و بين rأن من دخل على السلطان يريد توقيره فهو ضامن على الله كما أخرج أحمد في المسند عَنْ مُعَاذٍ قَالَ :" عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ ".

و لقد كان السلف يقدرون الأمير و يحترمونه كما أخرج الدارمي في المسند عَنْ مُغِيرَةَ رحمه الله أنه قَالَ :" كُنَّا نَهَابُ إِبْرَاهِيمَ هَيْبَةَ الْأَمِيرِ ".

احترام العلماء لولي الأمر ليس من المداهنة :

إن احترام و تقدير العلماء لولي الأمر هو السنة و هدي السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ بخلاف ما يدعيه بعض الجهال من أن احترام العلماء لولي الأمر هو من أجل المناصب أو مداهنة الأمراء .

قال أئمة الدعوة :" مما ينبغي التنبيه عليه ما وقع من كثير من الجهلة من اتهام أهل العلم و الدين بالمداهنة و التقصير و ترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه و كتمان ما يعلمون من الحق و السكوت عن بيانه و لم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم و الدين و التفكه بأعراض المؤمنين سم قاتل و داء دفين و إثم واضح مبين قال تعالى{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً }(الأحزاب:58)"(1) .

عقوبة من أذل ولي الأمر :

و من أذل السلطان فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه كما أخرج أحمد في المسند عن أبي ذر tأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنَا فَقَالَ :" إِنَّهُ كَائِنٌ بَعْدِي سُلْطَانٌ فَلَا تُذِلُّوهُ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُذِلَّهُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ".

و الربقة : طوق يوضع في عنق الدابة و المراد العهد قال ابن الأثير : الربقة في الأصل : عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها فاستعارها للإسلام يعني ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام : أي حدوده و أحكامه و أوامره و نواهيه(2) .

و جوب السمع و الطاعة لولي الأمر :

قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء: من الآية59)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" طاعة الله و رسوله واجبة على كل أحد و طاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم "(1) .

و قال ابن كثير :"الظاهر و الله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء و العلماء(2).و قال النووي :" المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة و الأمراء هذا قول جماهير السلف و الخلف من المفسرين و الفقهاء و غيرهم" (3) .

و قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :" هذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر و هم الأمراء و العلماء و قد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله r تبين أن هذه الطاعة لازمة و هي فريضة في المعروف "(4) .

حاجة الناس إلى حاكم يسمعون و يطيعون له : 

قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة و لا جماعة إلا بإمامة و لا إمامة إلا بسمع و طاعة و أن الخروج عن طاعة ولي الأمر و الافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد و العباد و العدول عن سبيل الهدى و الرشاد(5) .

قال الحسن البصري :" و الله لا يستقيم الدين إلا بولاة الأمر و إن جاروا و ظلموا و الله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون (6) .

و قال ابن رجب :" السمع و الطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا و بها تنتظم مصالح العباد في معايشهم و بها يستعينون على إظهار دينهم و طاعة ربهم "(7) .

و الخروج عن طاعة ولي الأمر و الافتيات عليه بغزو أو غيره :" معصية و مشاقة لله و رسوله و مخالفة لما عليه أهل السنة  و الجماعة السلف الصالح" (1) .

طاعة الأمير من طاعته r:

فقد بين النبي rأن طاعة الأمير من طاعته r كما أخرج البخاري و مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ".

وصية النبي rبالسمع و الطاعة :

بل جعل النبي rالسمع و الطاعة وصيته بعد تقوى الله عز و جل كما أخرج الدارمي في السنن عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَال:"َ وَعَظَنَا رسول الله rمَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا " ، و أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ :" إِنَّ خَلِيلِي rأَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ ". و مجدع : أي مقطوع .

الأمر بالسمع و الطاعة في كل الأحوال :

و أمر rبالسمع و الطاعة لولي الأمر  في كل الأحوال كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ ".

قوله (منشطك) : أي في حالة نشاطك و قوله (مكرهك) : أي في حالة كراهتك .

و المراد في حالتي الرضى و السخط و العسر و اليسر .

 

إذا أمر ولي الأمر بمعصية فلا سمع له و لاطاعة في المعصية :

و بين النبي rأن السمع و الطاعة تجب لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة في تلك المعصية خاصة أما بقية أوامره فتسمع و تطاع كما أخرج البخاري في الصحيح عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حق عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ".

قال أهل العلم :"معناه : تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق و تكرهه النفوس و غيره مما ليس بمعصية فإن كانت معصية فلا سمع و لا طاعة .

و قوله : فلا سمع و لا طاعة يعني فيما أمر به من المعصية فقط فإذا أمر بأمر محرم وجب أن لا يطيعه في ذلك الأمر فلا يمتثل لأن طاعة الله أوجب و لا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا  سمع و لا طاعة مطلقاً في كل أوامره بل يسمع و يطاع مطلقاً إلا في المعصية فلا سمع و لا طاعة "(1) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"إذا أمروا بأمر فإنه لا يخلو من ثلاثة حالات :

الحالة الأولى : أن يكون مما أمر الله به فهذا يجب علينا امتثاله لأمر الله به و أمرهم به لو قالوا : أقيموا الصلاة وجب علينا إقامتها امتثالاً لأمر الله و امتثالاً لأمرهم قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء: من الآية59)

الحالة الثانية : أن يأمروا بما نهى الله عنه و في هذه الحالة نقول سمعاً و طاعة لله و معصية لكم لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مثل أن يقول : لا تصلوا جماعة في المساجد فنقول : لا سمع و لا طاعة .

الحالة الثالثة : أن يأمروا بأمر ليس عليه أمر الله و رسوله r و لا نهي الله و رسوله r: فالواجب السمع و الطاعة لا نطيعهم لأنهم فلان و فلان و لكن لأن الله أمرنا بطاعته و أمرنا بذلك رسوله عليه الصلاة و السلام  قال :"اسمع و أطع و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك" .

و سألوه عن الولاة الذين يأخذون حقهم و يهضمون الرعية حقهم ؟ قال : عليهم ما حملوا و عليكم ما حملتم ". حملنا السمع و الطاعة اهـ (2) .

 

خطأ من  يقول : إنه لا سمع و لاطاعة للحكام :

من الناس من يقول : إنه لا سمع و لا طاعة لهؤلاء الحكام بحجة أن الأحاديث الواردة في السمع و الطاعة إنما هي في الإمامة العامة العظمى لا الخاصة و لا شك أن هذا قول باطل مخالف لإجماع أهل العلم قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب :" الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد له حكم الإمام في جميع الأشياء و لولا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد و لا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم (1) .

و قال الإمام الشوكاني :" معلوم أنه قد صار في كل قطر الولاية إلى سلطان و في القطر الآخر كذلك فلا بأس بتعدد السلاطين و يجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر  الذي ينفذ فيه أوامره و نواهيه و كذلك صاحب القطر الآخر . و من أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها(2) .

خطأ من نزل نفسه منزلة ولي الأمر :

من الناس من نزل نفسه منزلة ولي الأمر الذي له القدرة و السلطان على سياسة الناس فدعا جماعة للسمع و الطاعة له أو أعطته تلك الجماعة بيعة تسمع و تطيع له بموجبها و ولي الأمر قائم ظاهر !

و هذا لا شك أنه خطأ عظيم و ذنب جسيم  و من فعل هذا  فقد حاد الله و رسوله rو خالف نصوص الشريعة فلا تجب طاعته بل تحرم إذ لا سلطان له و لا قدرة على شيء أصلاً فعلام يسمع له و يطاع كما يطاع و يسمع لولي الأمر القائم الظاهر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" النبي rأمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم و لا مجهول و لا من ليس له سلطان و لا قدرة على شيء أصلاً . (3)

خطأ من ظن أن الأنظمة العامة لا سمع فيها و لا طاعة :

من الناس من يقول : إن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر و عدم التقيد بها و أنها لا تلزم الطاعة فيها كالمرور و الجوازات إلى آخره بحجة أنها ليست على أساس شرعي و أن طاعة الإمام في الأمور الشرعية فقط  أما المباحات و المندوبات فلا تجب !!! و هذا لا شك أنه خطأ نشأ من قلة العلم قال الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى :" هذا باطل و منكر بل يجب السمع و الطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين يجب الخضوع لذلك و السمع و الطاعة في ذلك لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين (1) .

و قال العلامة المباركفوري :" الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح وجب (2)  .

 

خطأ من ظن أنه يجوز له أن تكون في عنقه بيعتان :

بعض الناس يظن أنه يجوز له أن تكون في عنقه بيعتان بيعة للوالي المسلم و بيعة لزعيم الحزب و هذا لا شك أنه خطأ عظيم قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"لا يجوز للإنسان أن يكون في عنقه بيعتان بيعة للولي ولي الأمر العام في البلد و بيعة لرئيس الحزب الذي ينتمي إليه .

و قول النبي عليه الصلاة و السلام في المسافرين إذا كانوا ثلاثة :" يؤمرون أحدهم ". لا يعني ذلك أنهم يعطونه بيعة لكن هذا يعني أنه لا بد للجماعة من شخص تكون له الكلمة عليهم حتى لا يختلفوا و هذا مما يدل على أن الاختلاف ينبغي أن نسد بابه من كل طريق اهـ" (3)  .

خطأ من ظن أنه لا سمع و لا طاعة عليه لعدم مبايعته لولي الأمر :

بعض الناس يقول أنا لم أبايع الإمام فلا سمع له عندي ! و هذا لا شك أنه خطل من القول و جهل قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" ما أمر الله به و رسوله r من طاعة ولاة الأمور و مناصحتهم واجب على الإنسان و إن لم يعاهدهم عليه و إن لم يحلف لهم الإيمان المؤكدة اهـ" (1).

قال الشيخ ابن باز :" إذا اجتمع المسلمون على أمير وجبت الطاعة على الجميع و لو ما بايع بنفسه الصحابة و المسلمون ما بايعوا أبا بكر بايعه من في المدينة و لزمت البيعة للجميع . اهـ " (2) .

النداء للجهاد من خصوصيات ولي الأمر :

الجهاد من أعظم و أكبر ما يختص به ولي الأمر إذا كان آحاد الناس سيدعون إليه فإن بذلك صارت الفوضى.

و متى يدعو الناس إليه أو العلماء أو طلبة العلم ؟

إذا دعا إليه ولي الأمر قال تعالى { حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال }(لأنفال: من الآية65 فالمؤمنون تبع لولي أمرهم في ذلك (3) .

القنوت في المساجد لا بد فيه من إذن ولي الأمر :

القنوت مستحب و ليس بواجب فالنبي rقنت في نازلة و ترك القنوت في نازلة أخرى .

"و مذهب أهل الحديث و هو قول الإمام أحمد و اختاره الشيخ ابن عثيمين : أن القنوت للإمام الأعظم فقط  و يقنت نائب الإمام بإذنه في رواية عند الإمام أحمد .

و يستدل الجمهور عليه بأن النبي rإنما قنت في مسجده الأعظم و لم تقنت سائر المساجد في المدينة و كذلك في عهد عمر قنت هو و لم تقنت سائر المساجد " (4)  .

لولي الأمر أن يمنع العالم عن التدريس  :

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" إذا رأوا ـ أي ولاة الأمر ـ مثلاً : إسكات واحد منا قال لا تتكلم فهذا عذر عند الله لا أتكلم كما أمرني ؛ لأن بيان الحق فرض كفاية لا يقتصر على زيد و عمرو لو علقنا الحق بأشخاص مات الحق بموته الحق لا يعلق بأشخاص افرض أنهم منعوني أنا قال: لا تتكلم لا تخطب لا تشرح لا تدرس سمعاً و طاعة. اذهب أصلي إن أذنوا لي أكون إماماً صرت إماماً و إن قالوا : لا تؤم الناس ما أممت الناس صرت مأموماً لأن الحق يقوم بالغير، و لا يعني أنهم إذا منعوني قد منعوا الناس كلهم و لنا في ذلك أسوة فإن عمار بن ياسر t كان يحدث عن الرسول عليه الصلاة و السلام أنه يأمر الجنب أن يتيمم و كان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك فدعاه ذات يوم فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث الناس به يعني يتيمم الجنب إذا عدم الماء ؟ فقال : أما تذكر حين بعثني النبي عليه الصلاة و السلام و إياك في حاجة فاجنبت و تمرغت بالصعيد و أتيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم و أخبرته وقال: يكفيك أن تقول بيديك هكذا و ذكر له التيمم . و لكن يا أمير المؤمنين إني بما جعل الله لك علي من الطاعة إن شئت أن لا أحدث به فعلت . الله أكبر صحابي جليل يمسك عن الحديث عن رسول الله عليه الصلاة و السلام بأمر الخليفة الذي له الطاعة فقال له: لا أنا لا أمنعك لكن أوليك ما توليت . يعني أن العهدة عليك فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع أشرطة ابن عثيمين أو أشرطة ابن باز أو أشرطة فلان نمتنع . و أما أن نتخذ من مثل هذه الإجراءات سبيلاً إلى إثارة الناس و لا سيما الشباب و إلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا و الله يا إخواني عين المعصية و هذا أحد الأسس التي تحصل به الفتنة بين الناس و بلادنا كما تعلمون ما هي بلاد صغيرة بقعة صغيرة فيها ملايين الملايين بلاد شاسعة متفرقة قبائل مختلفة لولا أن الله عز و جل منَّا علينا بجمع الكلمة على يد عبدالعزيز بن سعود كنا متفرقين يتناحرون .

في هذا البلد يحدثني كبارنا أنهم كانوا في رمضان لا يخرجون للتراويح إلا و كل واحد حامل سلاحه من الخوف وسط البلد الآن الحمد لله أمن ما ظنكم لو تغير شيء لا قدر الله ! هل سيبقى هذا الأمن ؟ الآن يخرج و سيارته مملوءة بالخيرات و إذا أذن المغرب نزل و صلى و السيارة عند مرمى الحجر أو أقرب ما يخشى إلا الله . لماذا لا نقدر هذا الأمن ؟ لماذا لا نعلم أن القلوب إذا تنافرت تناثر الأمن و تمرد الناس .

حتى لو منعوا أشرطة فلان و فلان ؛ ما يهم نقول نسأل الله لهم الهداية و هل نحن أعلم و أدين و أفقه من الإمام أحمد كان الإمام أحمد يضرب و يجر بالبغلة و يضرب بالسياط حتى يغمى عليه و مع ذلك يقول : لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان و كان يدعو المأمون بأمير المؤمنين و المأمون يدعو لبدعة عظيمة للقول بخلق القرآن حتى جعلوه يدرس في المدارس ـ القول بخلق القرآن ـ و نحن هل رأينا من ولاة أمورنا مثل ذلك ؟ هل علمتم أنهم دعوا إلى بدعة و قالوا من ضادنا فيها فسوف نقتله أو نحبسه أو نضربه ؟ أنا لا أعرف!

إن الإخوة الذين يثورون في مثل هذه الأمور لا يخدمون إلا العلمانيين ! العلمانيون الآن هل تظنون أنهم يحبون أن تبقى الدولة ؟ لا ؛ لأنهم لايريدون الإسلام يريدون دولة إلحادية يستوي فيها اليهودي و النصراني و الوثني و المسلم و كل أحد . هم يفرحون أن الدولة تتسلط عليكم بمثل هذه النعرات حتى تقضي عليكم ثم يقضون على الدولة لأن الناس العامة إذا نفرت قلوبهم كرهوا الولاة وثاروا عليهم و أسقطوهم بالقوة فهم يتولون الحكم بعدهم ـ لا قدر الله ـ و انظروا إلى الثورات الآن في مصر و العراق و الشام ماذا حدث للناس هل انتقلوا من سيء إلى أحسن أم من سيء إلى أسوأ فهؤلاء الشباب الذين يثورون في مثل هذه الأمور يخدمون العلمانية خدمة مجانية غير مباشرة  "اهـ (1) .

و جوب لزوم الجماعة :

و قد حث النبي rعلى لزوم ولي الأمر و عدم الخروج عليه كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح  عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ أن النبي rقال له عن زمن الشر و الفتن : " تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ".

و ذلك لأن ولي الأمر جنة و حماية لمن كان معه كما أخرج الإمام البخاري و مسلم في الصحيحين عن أبي هريرة tأن النبي rقال :" إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ".

الإمام راع و هو ولي من لا ولي له :

قد بين rأن ولي الأمر راع لنا و أننا رعيته كما أخرج الإمام البخاري في الصحيح  عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ".

و بين  أن من لا ولي له فولي الأمر ولي له كما أخرج ابن ماجه في السنن عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ".

وجوب احترام و توقير الإمام و تحريم انتقاصه و إهانته :

و بين  أن ولي الأمر يجب إجلاله و إكرامه و يحرم انتقاصه و إهانته كما أخرج الإمام أحمد في المسند و الترمذي في السنن عَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ :"كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ : أَبُو بِلَالٍ انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ فَقَالَ : أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

فتأملوا كيف أن أبا بكرة  اعتبر الكلام في ولي الأمر و القدح فيه من إهانته و قد علق الإمام الذهبي رحمه الله على هذه القصة بقوله : أبوبلال هذا خارجي و من جهله عدَّ ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق (1).

الأمر بالصبر و النهي عن نزع يد من طاعة :

كما أمر  بالصبر و نهى عن نزع يد من طاعة و لو رأى الحاكم على معصية كما أخرج مسلم في الصحيح عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ".

و أخرج مسلم في الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

و أخرج البخاري في تاريخه عن وائل أنه قال للنبي :" إن كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة ؟ فقال : " عليهم ما حملوا و عليكم ما حملتم ".

و أخرج مسلم في الصحيح عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ  :" يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ".

فتأملوا هذا الحديث العظيم الذي يغفل عنه كثير من الناس : الرسول أمر بطاعة الأمير و إن ظلم الأمير بأخذ المال و جلد الظهر فما بال بعض الناس لا يصبرون و لا يطيعون و هم لم يبلغوا معشار هذه الحالة بحمد الله تعالى بل و الله إنهم لفي نعمة كبيرة و منة عظيمة .

الصبر على جور الأئمة من أصول السلفية :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة و الجماعة" (1) .

و هذا حق لأن الأمر بالصبر على جور الأئمة و ظلمهم يجلب من المصالح و يدرأ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد و البلاد .

قال ابن تيمية :" ما يقع من ظلمهم و جورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم و جور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه و تزيل العدوان بما هو أعدى منه فالخروج عليهم يوجب من الظلم و الفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على ظلم المأمور و المنهي في مواضع كثيرة  " (2) .

و قال الشيخ ابن باز :" الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً و شراً عظيماً فيختل به الأمن و تضيع الحقوق و لا يتيسر ردع الظالم و لا نصر المظلوم " (3) .

و قال أئمة الدعوة :" ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي و المخالفات التي لا توجب الكفر و الخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق و اتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس و مجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد و هذا غلط فاحش و جهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين و الدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه و عرف طريقة السلف الصالح و أئمة الدين (1) .

و لما أراد بعض العلماء نزع يد الطاعة في ولاية الواثق بسبب فتنة خلق القرآن منعهم الإمام أحمد و ناظرهم في ذلك و قال : عليكم بالإنكار في قلوبكم و لا تخلعوا يداً من طاعة لا تشقوا عصا المسلمين و لا تسفكوا دماءكم و دماء المسلمين معكم و انظروا في عاقبة أمركم و اصبروا حتى يستريح بر و يستراح من فاجر و ليس هذا ـ أي نزع أيديهم من طاعة ولي الأمر ـ صواباً هذا خلاف الآثار .

فقال بعضهم : إنا نخاف على أولادنا إذا ظهر هذا لم يعرفوا غيره و يمحى الإسلام و يدرس (2) 

فقال لهم الإمام أحمد : كلا إن الله عز و جل ناصر دينه و إن هذا الأمر له رب ينصره و إن الإسلام عزيز منيع فخرجوا من عند أبي عبدالله و لم يجبهم إلى شيء مما عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك و الاحتجاج عليهم بالسمع و الطاعة حتى يفرج الله عن الأمة فلم يقبلوا منه (3) .

و قال العلامة الإمام عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى :" أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن معاوية حاشا عمر بن عبد العزيز و من شاء الله من بني أمية قد وقع منهم من الجراءة و الحوادث العظام و الخروج و الفساد في ولاية أهل الإسلام و مع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام و السادة العظام معهم معروفة مشهورة لا ينزعون يداً من طاعة فيما أمر الله به و رسوله rمن شرائع الإسلام لا يعلم أن أحداً من الأئمة نزع يداً من طاعة و لا رأى الخروج عليهم (4) .

 

من نزع يداً من طاعة لا حجة له يوم القيامة :

و بين rأن من نزع يداً من الطاعة أنه لا حجة له يوم القيامة و ميتته ميتة جاهلية كما أخرج أحمد في المسند عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ نَزَعَ يَدَهُ مِنَ الطَّاعَةِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " و أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"  مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".

قال ابن أبي جمرة :" المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير و لو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق

قال الحافظ : المراد بالميتة الجاهلية حالة الموت كموت أهل  الجاهلية على ضلال و ليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك و ليس المراد أن يموت كافراً بل يموت عاصياً قاله الحافظ" اهـ(1) .

من نزع يده من الطاعة من الغادرين يوم القيامة :

بل من نزع يده من طاعة هو من الغادرين يوم القيامة كما أخرج البخاري في الصحيح عَنْ نَافِعٍ قَال:َ لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ".

و الفيصل : القطيعة و الهجران .

قال الحافظ ابن حجر : في هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة و المنع من الخروج عليه و لو جار في حكمه و أنه لا ينخلع بالفسق (2)

عقوبة من بايع الحاكم لدنيا إن أعطاه وفى و إن منعه لم يف :

و بين rأن من بايع الحاكم لدنيا إن أعطاه ما يريد وفى و إن منعه لم يف لا يكلمه الله و لا ينظر إليه و لا يزكيه و له عذاب أليم كما أخرج البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُل

ٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" من أطاع الله و رسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله و من كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية و المال فإن أعطوه طاعهم و إن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق 

الأمر بالصبر و إن  صدرت  أثرة :

و قد بين rأنه سوف تكون بعده أثرة و الأثرة : هي الانفراد بالشيء عمن له فيه حق و لم يأمرنا بالخروج عليهم أو العصيان لأمره بل أمر بأداء الواجب الذي له علينا كما أخرج البخاري في الصحيح عن عَبْدِاللَّهِ قَالَ :قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ ".

و قوله أمور تنكرونها يعني من أمور الدين قال النووي :" فيه الحث على السمع والطاعة و إن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة و لا يخرج عليه و لا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه و دفع شره و إصلاحه "(2) .

حكم ولي الأمر إذا حكم بغير ما أنزل الله :

قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :" من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أمور :

من قال : أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية فهذا كافر كفراً أكبر .

 و من قال : أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية فالحكم بهذا جائز و بالشريعة جائز فهو كافر كفراً أكبر .

 و من قال : أنا أحكم بهذا و الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز فهو كافر كفراً أكبر .

 و من قال : أنا أحكم بهذا و هو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز و يقول الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل و لا يجوز الحكم بغيرها و لكنه متساهل أو يفعل هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر  يخرج من الملة و يعتبر من أكبر الكبائر" اهـ(1)

الدعاء لولي الأمر من النصيحة :

النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ".

و إن من لوازم النصيحة لولي الأمر حبه و طاعته و الدعاء له قال الإمام ابن رجب : "النصيحة لأئمة المسلمين حب صلاحهم و رشدهم و عدلهم و حب اجتماع الأمة عليهم و كراهة افتراق الأمة عليهم و التدين بطاعتهم في طاعة الله عز و جل و البغض لمن رأى الخروج عليهم و حب إعزازهم في طاعة الله عز و جل "(2).

و قال الشيخ ابن باز :" من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر و من النصح الدعاء له بالتوفيق و الهداية و صلاح النية و العمل و صلاح البطانة "(3) .

و قد كان السلف يحرصون و يحثون على الدعاء لولي الأمر بالصلاح و الخير فقد كان الفضيل بن عياض يقول :" لو كانت لي دعوة [مستجابة] ما جعلتها إلا في السلطان .

قيل للفضيل : فسر لنا هذا ؟

فقال الفضيل : إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني ـ أي تتجاوزني ـ و إذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد و البلاد " .

و قال الإمام البربهاري :" أمرنا أن ندعو  لهم بالصلاح و لم نؤمر أن ندعو عليهم و إن ظلموا و جاروا لأن ظلمهم و جورهم على أنفسهم و صلاحهم لأنفسهم و للمسلمين"(1).

علامة أهل السنة الدعاء لولي الأمر و من علامات المبتدعة الدعاء على ولي الأمر :

و من علامات أهل السنة الدعاء لولي الأمر بالخير و الصلاح و التوفيق و من علامات أهل البدع الدعاء على ولي الأمر قال الإمام البربهاري : "إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى .و إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله " (2) .

الامتناع عن الدعاء لولي الأمر :

و بعض الناس يمتنع عن الدعاء لولي الأمر و لاشك أن هذا خطأ قال العلامة ابن باز رحمه الله فيمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر : "هذا من جهله و عدم بصيرته الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات و من أفضل الطاعات و من النصيحة لله و لعباده .

و النبي rلما قيل له إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ ! قال : اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ ". يدعو للناس و السلطان أولى من يدعى له  لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء " (3)

تحريم سب ولي الأمر :

الشرع الحنيف نهى عن سب ولاة الأمر لما في سبهم من الإفضاء إلى عدم طاعتهم في المعروف و إلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي لا تعود على الناس إلا بالشر المستطير كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم و قتالهم و تلك الطامة الكبرى و المصيبة العظمى .

و الوقيعة في أعراض الأمراء و الاشتغال بسبهم و ذكر معائبهم خطيئة كبيرة و جريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر و ذم فاعلها و هي نواة الخروج على ولاة الأمر الذي هو أصل فساد الدين و الدنيا معاً و قد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد فكل نص في تحريم الخروج و ذم أهله دليل على تحريم السب و ذم فاعله (1) .

و أخرج ابن عبدالبر في التمهيد عن أنس بن مالك tأنه قال : " كان الأكابر من أصحاب رسول الله rينهوننا عن سبِّ الأمراء" .

النصيحة لولي الأمر :

النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".

و أخرج الترمذي في السنن  عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ".

و معنى الحديث أن هذه الثلاثة : وهي إخلاص العمل لله و مناصحة ولي الأمر و لزوم الجماعة ، من فعلها فليس في قلبه غل و غش و حقد .

قال أبونعيم الأصبهاني :" من نصح الولاة و الأمراء اهتدى و من غشهم غوى و اعتدى " (2) .

صور النصيحة لولي الأمر :

النصيحة لولي الأمر لها أربع صور :

الأولى:نصيحة ولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً.

و الثانية:نصيحة ولي الأمر أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً .

والثالثة:نصيحة ولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً ثم يخرج من عنده وينشرها بين الناس .

و الرابعة: الإنكار على السلطان في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب والدروس ونحوها .

هذه أربع صور سنأتي إن شاء الله تعالى على صورة صورة :

الصورة الأولى : النصيحة لولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً .

النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج :

إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها ويدل عليه ما أخرجه أحمد في المسند عن عِيَاض قال قال رَسُولُ اللَّهِ r:" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ ".

فقوله(من أراد أن ينصح لسلطان بأمر )) فيه العموم في الناصح والعموم في المنصوح به

و قوله:(( فلا يبد له علانية )) فيه النهي عن النصيحة علانية والنهي يقتضي التحريم وعليه الواجب الإسرار .

قوله : (( ولكن ليأخذ بيده فيخلو به )) فيه بيان الطريقة الشرعية لنصيحة الولاة وهي الإسرار دون العلانية (( فيخلو به )) أي منفرداً كقول أسامة – t- : " أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه " .

و ذلك فيما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ :قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ".

ففي هذا الأثر أن النصيحة علانية أمر منكر تنتج عنه الفتنة و أن الإسرار هو الأصل الذي تتم فيه النصيحة دون فتنة أو تهييج للرعية على الراعي لقوله t: " والله لقد كلمته فيما بيني وبينه " وقوله t" دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه ... " .

قال النووي : " يعني المجاهرة بالإنكار على الأُمراء في الملأ كما جرى لقتلة عثمان- t- وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ، و وعظهم سراً و تبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك ، فإن لم يمكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق " (1) .

قوله : " وهذا كله إذا أمكن ذلك " أي أمكن الناصح السرية في النصيحة للسلطان فهو الواجب عليه لا غيره .  

و قوله : " فإن لم يمكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق " أي أنه لا ينكر علناً إلا عند الضرورة الشديدة (2) ولذلك أنكر عياض –رضي الله عنه- على هشام – t - إنكاره عليه علانية بدون ضرورة فما كان من هشام – t- إلا التسليم والله أعلم .

و قال الشيخ ابن باز معلقاً على أثر أسامة t:" لما فتحوا الشر في زمن عثمان t و أنكروا على عثمان tجهرة تمت الفتنة و القتال و الفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي و معاوية و قتل عثمان و على بأسباب ذلك و قتل جم كثير من الصحابة و غيرهم بأسباب الإنكار العلني و ذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم و حتى قتلوه نسأل الله العافية " (3).

و أخرج أحمد في المسند عن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ أنه قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى فقُلْتُ له : إِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ وَيَفْعَلُ بِهِمْ قَالَ فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ وَإِلَّا فَدَعْهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ ".

فتأملوا كيف أن الصحابي الجليل ابن أبي أوفى tمنعه من الكلام في السلطان و أمره بنصيحته سراً دون العلانية .

قال ابن النحاس رحمه الله : " يختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد " (1).

و قال الشوكاني :" ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه و لايظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده و يخلو به و يبذل له النصيحة و لا يذل سلطان الله " (2).

و قال أئمة الدعوة :" ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي و المخالفات التي لا توجب الكفر و الخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق و اتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس و مجامع الناس " (3) .

و قال العلامة السعدي رحمه الله :" على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام " (4).

و قال الشيخ ابن باز :" الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم و بين السلطان و الكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير .

و إنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنى و ينكر الخمر و ينكر الربا من دون ذكر من فعله و يكفي إنكار المعاصي و التحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها لا حاكم و لا غير حاكم " (5).

الصورة الثانية : نصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً .

و هذه الصورة محرمة لا تجوز للأمور التالية :

1- مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم tالذي فيه الأمر بالإسرار . 

2- مخالفتها لآثار السلف ومنهجهم كأسامة بن زيد و عبدالله بن أبي أوفى و غيرهما .

3- لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله " أخرجه الترمذي .   

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين ـ رحمه الله - :" إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته ، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه ـ يريد الإسرار بالنصيحة ـ لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يَغْشَوْنَهم " (1) .

و قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :" إذا صدر المنكر من أمير أو غيره ينصح برفق خُفْية ما يستشرف ـ أي ما يطلع ـ عليه أحد  فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية فإن لم يفعل ؛ فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر إلينا خُفْية" (2).

و الصورة الثالثة: نصيحة السلطان فيما بينه وبين الناصح سراً ثم ينشرها بين الناس:

وهذه الصورة محرمة لما يلي :

1- مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم –t- إذ الغرض والمقصود عدم إطلاع الناس عليها لما يترتب عليها من مفاسد .

2- مخالفتها لهدي السلف مع ولي الأمر .

3- لما فيها من الرياء وعلامة ضعف الإخلاص .

4- لما فيه من الفتنة والبلبلة والتفرقة للجماعة .

5- لما فيها من إهانة السلطان قال رسول الله r:( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله).

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عثيمين ـ رحمه الله- : " إذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً أو التشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه "(3) ـ يريد الإسرار بالنصح ونحوه ـ .

قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله- : "أحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود ـ أي : سراً بلطف ولين ـ أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم : إني نصحتهم وقلت وقلت ؛ فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخرى معروفة " (1) .

الصورة الرابعة : نصيحة ولي الأمر في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب ونحوها :

و هذه الصورة محرمة لما يلي :

لأنها غيبة و بهتان على ولي الأمر قال تعالى ]وَ لاََ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا[و أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ؟قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" فنهى الله عز و جل و رسوله rعن الغيبة و لا شك أن الكلام في و لي الأمر من الغيبة في غيبته إن كان حقاً فإن كان كذباً فهو بهتان .

و لأن هذه الصورة  تدخل في القالة بين الناس مما يترتب عليها من الفتنة والبلبلة كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ : الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ " .

و لأنها تخالف حديث عياض بن غَنْم tفي وجوب النصيحة سراً .

و لأنها تخالف هدي السلف الصالح في كيفية النصيحة لولي الأمر

و لأنها من باب إهانة السلطان و هي محرمة

و لأنها تؤدي إلى سفك الدماء و إلى القتل كما أخرج ابن سعد في الطبقات عن عبدا لله بن عكيم الجهني أنه قال :  لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان !!

فقيل له : يا أًبا معبدٍ أًوَ أًعنت على دمِهِ ؟ فيقول إِني أًعد ذكر مساويه عوناً على دمِهِ ! ".فتأملوا هذا الأثر جيداً حيث اعتبر أن ذكر مساوي الحاكم مما يعين على سفك الدماء(2) 

قال أئمة الدعوة :" ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي و المخالفات التي لا توجب الكفر و الخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق و اتباع ما عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس و مجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد و هذا غلط فاحش و جهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين و الدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه و عرف طريقة السلف الصالح و أئمة الدين " (1) .

و قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله- : " بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عمّا لهم من محاسن أو صواب ،ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة إنما يزيد البلاء بلاءاً ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها "(2).

و قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :" ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة و ذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات و عدم السمع و الطاعة في المعروف و يفضي إلى الخروج الذي يضر و لا ينفع " (3) .

 

قال الشيخ ابن عثيمين :" أشهد الله تعالى على ما أقول وأُشهدكم أيضاً أَنني لا أَعلم أَن في الأرض اليومَ من يطبق شريعة الله ما يطبقه هذا الوطن ـ أعني : المملكة العربية السعودية ـ وهذا بلا شك من نعمة الله علينا فلنكن محافظين على ما نحن عليه اليوم بل ولنكن مستزيدين من شريعة الله عز وجل أكثر مما نحن عليه اليوم لأنني لا أدعي الكمال وأننا في القمة بالنسبة لتطبيق شريعة الله لا شك أَننا نخل بكثير منها ولكننا خير والحمد لله من ما نعلمه من البلاد الأخرى ...إننا في هذه البلاد نعيش نعمة بعد فقر وأَمناً بعد خوف وعلماً بعد جهل وعزاً بعد ذل بفضل التمسك بهذا الدين 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :